في الوقت الذي ترتفع فيه التصريحات دون أن تترافق مع ضغوط حقيقية ضد مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، ويستمر استخدام إسرائيل لمراكز توزيع المساعدات كمناطق قتل، تعكس الإبادة الجارية في غزة نهجًا قديمًا يجزّئ الانتهاكات إلى حوادث يمكن احتواؤها، بما يسمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب، ويحوّل الإبادة إلى واقع "طبيعي" مثل غيرها من انتهاكات القانون الدولي.

أكثر من 57 ألف فلسطيني قُتلوا في غزة، ومعظمهم يُذكر كأرقام فقط. لكن عند اكتشاف مقابر جماعية، أو قتل فلسطينيين أثناء بحثهم عن الطعام – كما يحدث مؤخرًا – تصدر بعض التحذيرات الدولية حول تلك الحوادث المحددة، دون مساس بجوهر الإبادة ذاته، الذي يُعامل كأمر اعتيادي.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أقرّ بأن العمل الإغاثي في غزة "غير آمن بطبيعته". وزارة خارجية الاحتلال ادعت أن الجيش "لا يستهدف المدنيين".

أكثر من 165 منظمة دولية خيرية وحقوقية طالبت بإيقاف عمليات صندوق غزة الإنساني، بينما وصف منسق السياسة البريطانية في الأمم المتحدة هذه العمليات بـ"غير الإنسانية". أما المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك فقلّل من حدة الانتقادات قائلًا: "نحن لا نقول إن على مؤسسة غزة الإنسانية التوقف عن العمل، بل نقول إن عليه وغيره أن يعملوا بطريقة آمنة".

نبرة دوجاريك تمثّل نهج الأمم المتحدة الدائم في التعامل مع المشروع الاستعماري الصهيوني، حيث تُمنح الشرعية للاستعمار مع الإشارة إلى بعض الانتهاكات باعتبارها مخالفة للقانون الدولي، مما شكّل آلية لحماية إسرائيل لعقود. الأمم المتحدة لم تتعامل مع انتهاكات إسرائيل كجزء من مشروع استيطاني استعماري، لأنها لا تعترف أصلًا بأن إسرائيل كيان استيطاني استعماري. ويظهر ذلك جليًا في القرار 194، الذي يصف الكيان الاستيطاني بـ"الجيران" ويلقي عبء النكبة على الفلسطينيين. هذا القرار لم يُراجَع، بل يُقدَّم كحق رغم أنه يخدم المصالح الاستعمارية الإسرائيلية.

نفس المنطق يُكرَّس حاليًا في التعامل مع إبادة غزة. فمن الأسهل إدانة المقابر الجماعية، أو قصف الفلسطينيين وهم داخل خيام، أو انتقاد مؤسسة غزة الإنسانية، بدلًا من الاعتراف بالبنية الإبادية التي أنتجت هذه الجرائم. والسؤال يبقى: ماذا فعل المجتمع الدولي لتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة؟ لمنع إسرائيل من إحراق الناس أحياء أو تفجيرهم بالقنابل؟ الجواب: لا شيء. بل يقدّم أدوات الإبادة، بما فيها الدعم العسكري والقرارات السياسية التي تحمي وجود إسرائيل كمحتل.

كل جريمة تتحوّل إلى خبر عالمي تتبعها إسرائيل ببيان تحقيق داخلي، ويخرج "خبراء القانون الدولي" ليقولوا إن الهجوم "يكاد يكون غير قانوني وقد يشكل جريمة حرب"، كما في قصف مقهى البقعة في غزة بقنبلة وزنها 230 كلغ، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات.

الغرب يهوى إطلاق التصريحات القانونية المترددة لإرضاء جمهوره، تمامًا كما تواصل إسرائيل تنفيذ إبادة ممنهجة في غزة بلا توقف.

https://www.middleeastmonitor.com/20250703-the-genocide-is-still-far-from-being-condemned-in-the-wests-rhetoric/